أصبح معنى رئاسة دونالد ترامب واضحًا بعد تمرير مجلس الشيوخ مشروعه السياسي المحلي المسمّى "مشروع القانون الجميل" وتزامنه مع ضربة عسكرية ضد إيران. عكس صعود ترامب – كما صعود اليسار – رغبة الأمريكيين في الخروج من عهد النيوليبرالية والنيومحافظة.
لكنه – في الحكم – عزّز هذين التوجهين عوضًا عن تجاوزهما.
تشير النيوليبرالية إلى استخدام الدولة لحماية الأسواق وهياكلها بدلًا من كبحها. أما المحافظة الجديدة فتمثّل سياسة خارجية عدوانية قائمة على استخدام القوة.
مشروع القانون الذي يُكرّس الامتيازات للأثرياء ويعاقب الفقراء يُجسّد النيوليبرالية، بينما تمثل الضربة لإيران عودة واضحة للنهج النيومحافظ.
سادت حالة الغموض حول موقع ترامب التاريخي بسبب تردده وقلّة إنجازاته في البداية، رغم التحذيرات المبكرة من كارثية حقبته.
توقع اليمين منه تغييرًا جذريًا، لكن الآن، ومع هذه القرارات، يتضح أنه ليس إلا امتدادًا لسياسات مألوفة عمرها نصف قرن.
أعاد ترامب إنتاج السياسات ذاتها التي ساهم فشلها في ظهوره كخيار جذاب لملايين الناخبين.
خطاباته عن دعم الطبقة العاملة وتجنّب الحروب أوحت بإمكانية تغيّره، لكنه اختار المضي قدمًا في نفس الطريق القديم.
فقد حرّض على الكراهية والعنصرية منذ تشارلوتسفيل ومرورًا بجانفي 6، وها هو الآن ينفّذ حملات اعتقال جماعي للمهاجرين على نمط الفاشية الكلاسيكية.
في الداخل، يكرّس ترامب عقيدة أن ازدهار الأغنياء يعني ازدهار الأمة، بينما يعاقب الفقراء على فقرهم.
خارجيًا، يعتمد منطق استخدام القوة العسكرية للدفاع عن المصالح أو المبادئ، وهو منطق لم يتخلّ عنه رغم حديثه السابق عن السلام.
مشروعه الاقتصادي يُعد من أكثر القوانين لاأخلاقية في تاريخ البلاد، إذ يرسّخ التخفيضات الضريبية ويعتمد على تقليص برامج الرعاية مثل "ميديكيد" ورفع الدين العام.
يبدو ترامب كامتداد طبيعي لريجان والديمقراطيين الذين دعموا سابقًا سياسات مشابهة.
أبرز عقبة تواجه مشروعه ليست معارضته بل إقناع الجمهوريين المحافظين بالمزيد من الاقتطاعات في الميزانية.
على الساحة الدولية، يسعى ترامب للحصول على جائزة نوبل للسلام، لكن وساطاته فشلت.
وقف إطلاق النار بين إسرائيل وفلسطين انهار، والحرب في أوكرانيا مستمرة دون تأثير ملموس له.
تدخله العسكري في إيران يُعد منعطفًا حادًا يؤكد تبنيه للعدوانية لا للسلام.
مفاجأة هذا التحوّل العسكري دفعت بعض خصومه من المحافظين الجدد، ممن كانوا من أبرز منتقديه، إلى دعمه مؤخرًا.
فشخصيات مثل بيل كريستول امتدحت ضربته لإيران، لأنها تمثّل تنفيذًا لحلم طالما راودهم: قصف المنشآت النووية الإيرانية.
لكن هذا الخيار ما زال حلمًا بعيد المنال، كما لم يسفر إلا عن تصعيد جديد بلا نتائج ملموسة.
مثلما اغتال قاسم سليماني في 2020، استخدم ترامب أسلحة خارقة للتحصينات لضرب منشآت إيرانية مثل "فوردو"، في خطوة غير قانونية لا توصف فقط بالجريمة بل بالخطأ الجسيم.
الرد الإيراني المحدود لم يغيّر الواقع، وقد يدفع النظام نحو تسريع برنامجه النووي بدلًا من التراجع عنه.
وبينما يحلم ترامب بالتكريم في أوسلو، يبدو أقرب لأن يُنحت وجهه على جبل راشمور من أن يتلقى دعوة للسلام.
فبعد كل شيء، هو رجل من الماضي – لا أكثر – يتصرّف كما لو أن النماذج الفاشلة القديمة ما تزال صالحة لمستقبل أمريكا، في وقت يتوق فيه الشعب الأمريكي لمن ينقذه من هذا "الزومبي" المزدوج: النيوليبرالية والنيومحافظة.
https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/jul/03/trump-neoliberalism-neoconservatism#img-1